لماذا سَقطت الدولة السورية؟


15/12/2015

رابط المقال في موقع جريدة " مدار اليوم "


سليمان يوسف
سليمان يوسف

سليمان يوسف
تُولد وتنشأ الدول بفعل الحروب. وبالحروب تعدل حدود الدول، وتغيب دول قائمة عن الخريطة السياسية للعالم. ونشأت الدولة السورية الحديثة بحدودها الحالية عن الحرب العالمية الأولى 1914، وفق الخريطة السياسية، التي وضعها كل من الدبلوماسي الفرنسي “فرانسوا بيكو” والدبلوماسي البريطاني “مارك سايكس” بشكل سري خلال الحرب، واعتمدتها الدول المنتصرة فيها.
هل من خريطة سياسية جديدة أو اتفاقية سرية، شبيهة باتفاقية “سايس بيكو”، تطبخ على نار الحرب السورية، التي باتت أشبه بـ”حرب كونية” مع كثرة التدخلات السياسية والعسكرية (الإقليمية والدولية) فيها ؟؟.
السوريون، موالون ومعارضون، لا يخفون خشيتهم وقلقهم من وجود هكذا خرائط واتفاقيات. ففي معظم بيانتهم ووثائقهم وخطابتهم السياسية، يؤكدون على ضرورة أن يضمن أي حل سياسي لأزمة بلادهم وحدة الدولة السورية أرضاَ وشعباً. وقد شدد المجتمعون في مؤتمر المعارضات السورية، الذي عقد قبل أيام في الرياض بالمملكة العربية السعودية على “التمسك بوحدة الأراضي السورية”. من حق السوريين أن يخافوا على مصير ومستقبل بلادهم من حرب كارثية، مستعرة منذ نحو خمس سنوات، لا نهاية قريبة لها، فرضها عليهم نظام استبدادي متمسك بالسلطة، يرفض الاستجابة لمطالب شعبٍ انتفض لأجل حريته وكرامته. حرب بين السوريين وعلى السوريين، تشابك فيها الداخلي مع الخارجي، أعادت ترتيب الشارع السوري وفق القوة العددية، أنتجت على الأرض خرائط “كانتونات” ومحميات عرقية وطائفية ومذهبية، كما أنها أخرجت من درج “النسيان الدولي” المشروع الفرنسي (زمن الانتداب)، الذي كان يقضي بتقسيم سوريا الى خمس دويلات.
إزاء هذا الوضع السوري الهش وإزاء خارج (اقليمي – دولي) لا تهمه سوى مصالحه، ليس بمستغرب سقوط الدولة السورية، ككيان سياسي واجتماعي واقتصادي، في أول “حرب داخلية” عصفت بها. هي لم تسقط بـ”قرار سياسي” من الخارج أو من الداخل، ولم تسقط بفعل سلاح المتحاربين على أرضها، ولا بإعلان (أبو بكر البغدادي) “دولة الخلافة الإسلامية” على المناطق التي يسيطر عليها تنظيمه الارهابي(داعش) في كل من سوريا العراق (كما ذهب الصحفي البريطاني روبيرت فيسك، في مقال له في صحيفة الاندبندنت البريطانية) بعنوان “داعش كتب نهاية سايكس بيكو”. استشهد فيسك بتسجيلاً مصوراً بثه “داعش” في أوائل 2014 مصوراً به بلدوزرًا يجرف حاجزًا رمليًا يحدد الحدود بين العراق وسوريا، وأسفله لافتة ملقاة على الرمل مكتوب عليها “نهاية سايكس – بيكو”” الدولية السورية سقطت لأنها، بحكم ظروف نشأتها وتركيبتها السكانية وبنيتها المجتمعية المتنوعة والغير متجانسة عرقياً ودينياً ومذهبياً، هي تحمل في داخلها كل عوامل وأسباب التفكك والانشطار. وقد كشفت الحرب السورية الراهنة بأن السوريين لم يرتقوا بعد الى مستوى الشعب الواحد. فلا أهداف وطنية ومصيرية مستقبلية واحدة لكل السوريين، ولا شعور مشترك بالانتماء لهوية وطنية سورية واحدة. من دون شك، ساهمت السياسات الخاطئة للنظام الاستبدادي – الذي ارسى قواعده حافظ الأسد وأورثه لأبنه بشار- التي قامت على احتكار السلطة والثروة في البلاد على مدى عقود طويلة واختزال الوطن والدولة بشخص الحاكم( الرئيس)، في تقوية الانتماءات والولاءات البدائية (ما قبل الدولة) في المجتمع السوري، وفي تقويض عملية “الاندماج الوطني” بين المكونات السورية وفي إضعاف “الوحدة الوطنية” والتماسك المجتمعي بين السوريين. لكن، يبقى السبب الأساسي والجوهري لسقوط الدولة السورية، هو عدم قيامها منذ البداية على “أسس ومرتكزات وطنية سورية صحيحة جامعة للسوريين”.
وبدلاً من اعتماد (السورية) هوية وطنية للدولة والشعب، تم فرض (العروبة والإسلام) كهوية وانتماء على شعب سوري، متنوع الثقافات والأعراق والديانات. وهذا كان خطأ تاريخياً وسياسياً جسيماً، أجهض كل محاولات النهضة بسوريا وقوض مفهوم الدولة والوطن والمواطنة وحال دون نجاح عملية الاندماج الوطني بين السوريين، ونسف منذ البداية إمكانية قيام دولة مواطنة ودولة مدنية ديمقراطية في سوريا. لأن (العروبة والاسلام) لم يكونا ولن يكونا ابداً محل إجماع وتوافق السوريين، ولم يشكلا ولن يشكلا رابطةً وطنية جامعة، تجمع وتوحد السوريين بقومياتهم واثنياتهم ودياناتهم ومذاهبهم المختلفة. فكما هو معلوم، السوريون ليسوا جميعاً من العرب، وليسوا جميعاً بمسلمين. فمنهم العربي والآشوري( سرياني/كلداني) والكردي واالتركماني والأرمني والشركسي والشيشاني، بينهم المسلم والمسيحي واليزيدي واليهودي. ليس من الوطنية والديمقراطية اختزال كل هذه الفسيفساء المجتمعية والتاريخية الجميلة، بالعروبة والإسلام. (سوريا الكبرى أو القديمة)،التي يعود تاريخها الى أكثر من 8000 عام قبل الميلاد، أغنى وأعظم من أن تنسب هويتها لقوم أو لدين معين. من هذا المنظور التاريخي والوطني، نرى بأن (السورية) وحدها، كهوية وانتماء لجميع السوريين، يمكن أن تكون سفينة إنقاذ ونجاة السوريين من الغرق في بحر التناقضات والصراعات والنزاعات، المسلحة وغير المسلحة، العرقية والطائفية والمذهبية، ويمكن لها أن تجنب سوريا والسوريين خطر السقوط النهائي في شرك التقسيم.

سليمان يوسف باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات

0 comments: